حتى لا ينزعج العميل!
"حاول أن تَعِد العميل بالأقل وقدِّم له الأكثر"
يُعد العملاء من أهم ركائز نجاح مكاتب المُحاماة واستمراريتها، فالعميل الذي وجد الثمرة المنشودة من لجوئه للمُحامي سيسعى إلى توطيد العلاقة بينهما، وسيكون مُزكياً، ومُرشحاً، ومسوقاً للمُحامي دون أن يُطلَب منه ذلك، والعكس بالعكس.
يحرص المُحامي على اتخاذ الوسائل المُعينة على بناء علاقات متينة ومبنية على الثقة مع عملائه، ومن كان هذا هدفه، فعليه أن يبتعد عن مجموعة من العبارات، والتصرفات، والأساليب التي تُزعج العميل وتُشعره بعدم الارتياح، ومنها:
1- "المُحامي: يعني دعواك مُحاسبة ناظر وقف
العميل: دعواي يا أستاذ عزل ناظر وقف"
ما يتوقعه العميل في لقائه الأول مع المُحامي ليس السمع ولا الاستماع ولا الإصغاء بل الإنصات. يُعد الإنصات أعلى درجات السماع؛ فهو الاستماع بتركيز وانتباه مع قطع جميع الشواغل عن حديث المتكلم. فالإنصات إلى العميل أو الموكِّل وعدم مقاطعته يُشعره بالراحة والاهتمام أثناء حديثه ويُمكِّنه من توضيح أفكاره وتبيين مقاصده، كما أنه يُعين المُحامي على استيعاب جميع ما يقوله العميل، وتحليله، وتفنيده، والتمكُّن من تصور موضوع القضية بشكل واضح، ومن ثَّم طرح الأسئلة التي يستجلي بها المُحامي بعض النقاط المُبهمة أو غير الواضحة أثناء سرد العميل لوقائع موضوعه.
ينزعج العميل من عدم تركيز المُحامي مع كلامه، أو الانشغال عنه بالهاتف، أو بالاطلاع أو التوقيع على أوراق لا علاقة لها بالعميل، أو بضعف التواصل البصري مع العميل، أو بمقاطعة العاملين بالمكتب للمحامي أثناء اجتماعه بالعميل.
2- "الدعوى سنرفعها بالمحكمة التجارية"
الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وتقديم المشورة القانونية لا يكون إلا بعد الدراسة الفاحصة لجميع ما له علاقة بالقضية استطلاعاً، واستنتاجاً، وتكييفاً، واختصاصاً، وخطة عمل. فقد يبدو من الاطلاع المبدئي على مستندات قضية أن الاختصاص فيها مُنعقد للقضاء التجاري، وبعد تفحُص مستنداتها قد يجد المُحامي أن تسوية النزاعات يكون من خلال اللجوء للتحكيم. فلو تعجَّل المُحامي وبيَّن للعميل أن المحكمة المختصة بموضوع نزاعه هي المحكمة التجارية، ثم تبيَّن بعد الدراسة أن التحكيم هو وسيلة حل النزاعات بين الطرفين وتم إعلام العميل بذلك سينزعج حتماً لا سيما وأن العميل عند لجوئه للتحكيم لن يتحمَّل أتعاب المُحاماة فقط، بل سيتكبد أتعاب المُحكَّم المُعيَّن من طرفه، ونصف أتعاب رئيس هيئة التحكيم، ونصف أتعاب أمانة سر التحكيم.
3- "موضوعك مضمون!"
على المُحامي ألا يضمن نجاح قضية العميل حتى لو تولَّى قضايا مُشابهة بها لعشرات المرات. لأن الضمان يُخالف التزام المُحامي الجوهري والأصيل تجاه العميل الذي هو بذل العناية وليس تحقيق النتيجة أو الغاية. كما أنه من الوارد أن يظهر أمر فجأة أثناء التقاضي لم يكن بالحسبان ويؤثر على سير القضية بخلاف المتوقَّع. فعدم كسب القضية التي ضمن المٌحامي سلفاً نجاحها سيُزعج العميل، ويجعل المُحامي في حرج.
4- "موضوعك سيأخذ شهرين بالكثير!"
تحديد مُدة لانتهاء القضية أمر لا يملكه المُحامي، لأنه لا يستطيع التنبؤ بما سيطرأ أثناء التقاضي، فقد تتأجل الجلسات لعدة أسباب ويطول أمد التقاضي. وأذكر قضية كنت قد توقعت من خلال القضايا المُشابهة لها أن تنتهي خلال ستة أشهر على أقصى تقدير فاستمر نظرها لمدة أربع سنوات وبلغت الجلسات فيها اثنين وأربعين جلسة؛ فلو بُحت للعميل عن توقعي بانتهاء القضية وتجاوزت القضية مدة التوقع كان سينزعج لا محالة..
وفي قضية أُخرى كان العميل مُصراً على تحديد موعد تقريبي لانتهاء القضية وبيَّن أنه ليس لديه مانع حتى لوصلت المُدة المُحددة من قِبَلي إلى سنة وأصر على تحديد المدة فأفهمته بأني لا أُحدد مُدداً لأني لا أملك ذلك، وكاد العميل أن يعدل عن توقيع عقد الأتعاب فتمسكت بموقفي، ثم اقتنع العميل وتفهَّم أخيراً وجهة نظري ووقَّع عقد الأتعاب؛ استغرقت القضية جلسة واحدة فقط – وهو ما لم يكن متوقعاً في هذا النوع من القضايا- وحُكِم فيها لصالحه وكان أثر ووقع الحكم السريع على العميل جميلاً جداً.
5- "دفعة عند التوقيع ودفعة بعد ما تنتهي القضية!"
إن أيّ مشكلة تعاقدية أساسها اتفاق غير مُحكم، فالوضوح من الأمور المُهمة التي يجب على المُحامي أن يتحرَّاها أثناء الاتفاق على عقد تقديم الخدمات القانونية (الأتعاب) مع العميل، لا سيما إذا كان العميل ممن يجهل إجراءات، ودرجات، ومراحل التقاضي؛ وعلى المُحامي بعد التأكد من فهم العميل لالتزامات الطرفين أن يُجسِّد جميع ما تم الاتفاق عليه في عقد الأتعاب بعبارات واضحة وغير مبهمة. فعلى سبيل المثال لو كانت الأتعاب تُسدد على ثلاث دُفعات فيُضمَّن ذلك في العقد بصيغ واضحة لا لبس فيها تُبيِّن مواعيد حلول دفع الأتعاب فتكون الدفعة الأولى عند التوقيع على العقد، والدفعة الثانية عن صدور حكم محكمة الدرجة الأولى، والدفعة الثالثة عند اكتساب الحكم القطعية، أو عند تنفيذ الحكم، أو عند تحصيل المبالغ المُدعى بها أو بجزء منها.
فعدم الوضوح في الاتفاق بين المٌحامي والعميل يُزعج العميل وقد يُفضي أحياناً إلى نشوب نزاع بينهما.
6- "بكرة إن شاء الله نرفع الدعوى"
ينظر العميل للمحامي بأنه طوق نجاته، وملاذه الوحيد بعد الله في الظفر بحقوقه أو دفع الظُلم عنه، فهو يحمل جميع ما يتفوَّه به المُحامي على محمل الجد ولا يتصوَّر منه إخلاف لوعد أو لموعد.
وحتى لا ينزعج العميل، فعلى المُحامي أن يعني حقيقة كُل ما يقوله للعميل وأن يتأكد من جدول مواعيده وأعماله قبل أيّ التزام تجاه العميل حتى لو كان هذا الالتزام أدبياً.
7- "وش صار بالجلسة!"
من حق العميل أن يعرف كُل ما يطرأ على قضيته، وينزعج جداً من عدم إعلامه بكل ما يستجد بشأن قضيته، وفي المُقابل قد يكون يوم المُحامي حافلاً بالأعمال بما لا يُمكِّنه من إجراء اتصال هاتفي مع العميل لوضعه بالصورة. لذا فيحسُن أن تكون لدي المُحامي قوالب جاهزة للتقارير الدورية يتم إرسالها للعملاء فور انتهاء الجلسات، أو بعد أي إجراء مؤثر في القضية، وبالإمكان إسناد ذلك إلى أحد المُحامين المتدربين أو سكرتارية مكتب المُحامي.
8- "بعد اكتساب الحُكم القطعية وتذييله بالصيغة التنفيذية سنتقدَّم لمحكمة التنفيذ وبعدها قرار 34، ثم قرار 46 ونتابع الإفصاحات!"
المُحامي يتعامل مع جميع الثقافات والأطياف والمستويات التعليمية والمعرفية والأعمار.
تتفاوت قُدرات العملاء في الاستيعاب، وتتباين في الفهم، لذلك على المُحامي أن يُخاطب كُل عميل باللغة التي يفهمها، وأن يُبسط له المعلومات القانونية التي يُريد إيصالها له. ومن الأمور التي ُتُزعج العميل أثناء حديثه مع المُحامي إمعان الأخير في استخدام مصطلحات ولغة قانونية مُعقَّدة يجد الأول صعوبة في استيعابها.
9- "نورت...وين الناس يا أبو حميد!"
الاحترام سر الدوام.. إزالة الكُلفة بين المُحامي والعميل قد لا تعود بالنفع على العلاقة الجامعة بينهما – تجدر الإشارة إلى أن هناك فئة من العُملاء تحرص على كسر الطابع الرسمي في التعامل مع المُحامي وذلك لعدة أهداف أهمها الحصول على استشارات مجانية!
ينزعج بعض العُملاء – وحُقَّ لهم ذلك- من ممازحتهم، أو من مخاطبتهم بأسمائهم المُجرَّدة من درجاتهم العلمية. لذلك على المُحامي أن يحرص على مخاطبة عملائه بما يتناسب مع أعمارهم ودرجاتهم العلمية ومكانتهم الاجتماعية.
10- "ممكن نقدِّم التماس إعادة نظر!"
قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم (( لا يؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه))، وقال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم(( إن المُستشار مؤتمن... الحديث الشريف))، يُعتبر التماس إعادة النظر طريق غير عادي للطعن على الأحكام النهائية. وقد يطلب العميل من المُحامي إيجاد حل له في قضية مُحكوم بها بحكم قطعي فيقترح المُحامي الطعن بالتماس إعادة النظر، مع علمه بأن الحالات والمدد الخاصة بالتماس إعادة النظر والواردة على سبيل الحصر في النظام لا ينطبق أيّ منها على الحكم الذي بين يديه ولكن جهاز التسويغ الداخلي النشط لدى نزر يسير من المُحامين يسوِّغ لهم المُضي قُدُماً في الالتماس مُعللاً لنفسه أنه سيجتهد والنتيجة غير مضمونة في كُل الحالات، فيُكلِّف العميل تكاليفاً قضائية وأتعاباً لصياغة الالتماس وهو في عمق قرارة نفسه يعلم أن الالتماس لن يُقبل. فيكون بذلك قد غرَّر بالعميل وأدخل على نفسه مالاً لا يحل له.
11- "أحد يكتب تغريدة بهذا الشكل!"
للمحامي دور فاعل في التهدئة من روع العميل، وبث الطُمأنينة في نفسه من خلال إيجاد حلول نظامية تُسند موقف العميل. وفي بعض الحالات قد لا يجد المُحامي حلاً لعميله – كما يُقال بالدارج بين المُحامين قضية مقفلة- وهنا يشرح المُحامي وجهة نظره لعميله مُعتذراً عن تولِّي القضية بألطف العبارات وأخفها وقعاً على نفس العميل، دون توبيخه، أو الاستخفاف به.
ينزعج العميل جداً وينفُر من المُحامي الذي يُلومه ويُقرِّعه. وكما أن التعميم لا يستقيم، وبما أن لكل قاعدة شواذ فهُناك قِلة من الحالات تستدعي من المُحامي ما هو أكثر من توجيه التوبيخ أو التقريع!
ختاماً.. إذا أردنا أن نضع نصيحة مُجرَّبة للحفاظ على العملاء فنستطيع القول:
"حاول أن تَعِد العميل بالأقل وقدِّم له الأكثر"