لغة القالب

القائمة الرئيسية

تابعنا

علنية التحكيم! - الجزء الثاني

 

"التحكيم أقدم من القضاء،  وهو نظام عضيد وفي ذات الوقت بديل للقضاء الرسمي للدولة، يلجأ إليه التُجار، والأفراد، والشركات بإرادتهم الحُرَّة لحل المنازعات التي تثور بينهم من خلال وجود اتفاق مكتوب ينص على رغبتهم في اللجوء إلى التحكيم وإنهاء خلافاتهم بواسطته".(1)

 ويُعرَّف التحكيم بأنه: "عقد يتفق الأطراف بمقتضاه على طرح النزاع على شخص، أو أشخاص مُعينين ليفصلوا فيه دون المحاكم المختصة". (2)، ويختلف التحكيم عن الوسائل البديلة الأخرى  لتسوية النزاعات كالصلح والوساطة كونهما يعتمدان على تسوية النزاع بشكل ودي واتفاقي بين الأطراف، كما أن القرار الصادر من الُمصلح أو الوسيط لا يحظى  بصبغة الإلزام، بخلاف حكم المحكَّم الذي يوازي حكم القاضي في الحُجيِّة والإلزام. فالمُحكَّم هو قاضي خاص يحكم مُقابل أتعاب يحصل عليها من الطرف الذي عيَّنه.

إن اللجوء إلى التحكيم له العديد من المزايا  التي تجعله الوسيلة المثلى للفصل في المنازعات لاسيما في عقود التجارة الدولية، ومن هذه المزايا؛ السرعة في اجراءاته، وذلك لعدم ارتباط هيئة التحكيم التي تنظر النزاع  بجدول مواعيد  للقضايا  يُلزمها بمواعيد مُحددة للجلسات  كما هو الحال في القضاء، الأمر الذي يُمكِّن هيئة التحكيم من  تحديد مواعيد لجلساتها  في مُدد مُتقاربة.  كما يتم اللجوء إلى التحكيم بسبب التخصص؛ فإذا كان النزاع ذا طبيعة هندسية، أو محاسبية، و كانت هيئة التحكيم مُشكَّلة من ثلاثة مُحكمين فبالإمكان أن يكون عُضوي الهيئة – دون رئيسها -  مُهندسين أو مُحاسبين وهو ما يجعلهما بُحكم التخصص مُلمين بدقائق موضوع النزاع وتفاصيله، مما يغني عن الاستعانة بخبير لتقديم رأيه الفني في النزاع. ومن مميزات التحكيم أيضاً تحقيق مبدأ سُلطان الإرادة- بما لا يُخالف أحكام الشريعة الإسلامية، والأنظمة المرعية، والنظام العام- أو الحُرية؛ بمعنى أن لطرفي التحكيم كامل الحُرية في اختيار القانون، و المكان، وتشكيل الهيئة التي تفصل في النزاع الناشئ أو الذي سينشأ بينهم؛ فللأطراف  الحُرية في  اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، كاختيار نظام التحكيم السعودي ولائحته التنفيذية، و لهم الحُرية في تحديد نصاب هيئة التحكيم كأن  تكون الهيئة مُشكَّلة من ثلاثة مُحكَّمين أو من مُحكَّم فرد. وكذلك للأطراف الحُرية  في تحديد المؤهلات الواجب توافرها  في أعضاء هيئة التحكيم، كاشتراط أن يكون لأعضاء الهيئة خبرة  في المُحاماة لمدة خمسة عشر عاماً، أو خبرة قضائية لا تقل عن عشر سنوات، والأطراف أيضاً أحرار  في تحديد  لغة التحكيم خاصة في  عقود التجارة الدولية  كاختيار الفرنسية أو الانجليزية لغة للتحكيم، وكذلك الحُرية في تحديد مكان التحكيم كأن يكون مقر  انعقاد جلسات التحكيم الغرفة التجارية بمكَّة المٌكرَّمة حتى وإن كان مكان تنفيذ جوانب جوهرية من الالتزامات الناشئة من العلاقة التجارية بين طرفي النزاع خارج المملكة العربية السعودية. ومن مزايا التحكيم  تحديد مدة التحكيم،  كأن تكون مدة التحكيم عشرة أشهر. وأيضاَ الحُرية في امكانية إحالة النزاع  إلى التحكيم المؤسسي وذلك بأن يتم  التحكيم وفق قواعد و اجراءات مركز مختص بالتحكيم، كالمركز السعودي للتحكيم، أو مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي ، أو غرفة التجارة الدولية بباريس.

أما بالنسبة للسرِّية في التحكيم – مبعث هذا المقال-  فتعتبر من أهم مميزات التحكيم لا سيما بين التجار؛ فالسرِّية تعتبر ضمانة مُهمّة للتجار الذين تعتمد معاملاتهم أساساً على ثقة الجمهور في سمعتهم وشهرتهم،  ومن ثم فإن العلانية والنشر اللذان يُحيطان بأحكام القضاء، وإن كانا يُعدان من ضمانات العدالة، إلا أن من شأنهما الإضرار البالغ بالتجار لأنهما  يؤديان إلى إذاعة الأسرار التجارية والاتفاقات الخاصة التي يحرص التُجار على إبقائها طي الكتمان. (3)

ولقد  أحاط المُنظِّم السعودي أحكام التحكيم بالحماية والسرية  ومنع من  نشرها  أو نشر  أي جزء منها إلا بعد  أخذ الموافقة الكتابية من طرفي التحكيم. فقد نصَّت الفقرة الثانية من المادة الثالثة والأربعين من نظام التحكيم السعودي  على أنه:" لا يجوز نشر حكم التحكيم أو جزء منه إلا بموافقة طرفي التحكيم كتابة".  

وبعد أن استعرضنا مميزات للتحكيم، وكما أن لكُل عملة وجهين، فلا بد من تبيان معوقات التحكيم أو صعوباته؛ ومنها ارتفاع  نفقاته، وقطعية أحكامه، فلا يسري عليه مبدأ التقاضي على درجتين كما هو الحال  في القضاء ، وفي هذا تفويت لطرفي القضية التحكيمية في عرض نزاعهم على محكمة أخرى وقضاة آخرين.  كما أن التحكيم  لا يتم الطعن على أحكامه إلا من خلال رفع دعوى البطلان فقط  أمام محكمة الاستئناف المختصة  أصلاً بنظر النزاع  وذلك في حدود الحالات التي  نصَّت عليها المادة الخمسين من نظام التحكيم السعودي على سبيل الحصر والقصر،  فلا سبيل لإثارة أيّ جوانب موضوعية في النزاع التحكيمي أمام محكمة الاستئناف المختصة حتى وإن كانت جوهرية وتم إغفالها من  قِبَل هيئة التحكيم. كما يُعد انحسار سُلُطات وصلاحيات المُحكَّم مُقارنة بالقاضي من معوقات التحكيم  مما يلجئ المُحكَّم إلى الاستعانة بالقاضي المختص في حال الحاجة إلى اتخاذ تدابير مؤقتة، أو تحفظية، أو إنابة قضائية  وهو ما قد  يُطيل أمد القضية التحكيمية.

وتجدر الإشارة إلى  أنه يجب وضع المميزات والعوائق المُتجسِّدة في التحكيم في الحسبان قبل اللجوء إليه  واختياره  وسيلة  لحل النزاعات، كما  يجب على الهيئة التحكيمية والأطراف المُحتكمة وممثليهم على قدم السواء  استيعاب وفهم  نظام التحكيم، ولائحته ، واجراءاته،  منعاً لتعرض حكم التحكيم  للبطلان ، ولتفادي ضياع الوقت والجهد والمال، والحُكم.



بقلم المحامي مؤيد بن محمد السنوسي

المصادر:
(1) قانون التحكيم السعودي. أ.د. نايف بن سلطان الشريف. 1441هــــــ . ص18.
(2) عقد التحكيم و اجراءاته. أحمد أبو الوفا. 2007. ص 15.
(3) نظام التحكيم السعودي الجديد. عادل خضر الزين أحمد. 1436هـــــ. . ص 65.

مواضيع مقترحة

0التعليقات