صفي ذهنك
سؤال: ما أقوى شيء في هذا الكون العظيم؟
خلق الله هذا الكون العظيم، وبداخله عوالم غير متناهية.. وتتجلى عظمة الخالق في أنك كلما تعمقت في عالمٍ تكتشف آخرًا أعظم وأشد إبهارًا.
أؤمن بأن الإنسان وخلقه معجزة. ومن المعجزات التي نتمتع بها هي المخ البشري الذي كان ولازال العلم يحاول جاهدًا التعرف عليه، المخ هو كتلة مليئة بالالتفافات تزن ألفًا وأربعمئة جرام، كتلة تظهر الهدوء والسكون، لا حركة لها ولا صوت، لا انقباض فيها ولا تمدد.. وبالرغم من هدوئه إلا أنه ينتج طاقة كهربائية، وتحدث فيه ملايين التفاعلات الكيميائية في الدقيقة الواحدة، وبداخله خلايا عصبية يبلغ عددها قرابة المئة مليار خلية -وهذا يساوي نصف عدد نجوم مجرتنا.. ويشعرني ذلك بأننا نملك عالمًا بداخلنا!- وهذه الخلايا العصبية مسؤولة عن تواصلنا مع العالم، تخيل معي: 100 مليار خلية عصبية تعمل جاهدة من أجل تواصلك مع العالم وأنت ببساطة تدمرها وتكتمها وتفتح عليها فوّهات بركانية تحرقها..
أليس ظلمًا في حق العقل المعجزة الذي تحمله فوق كتفيك؟ نعم، بل قمة الظلم.. نحن نظلم خلايانا العصبية عبر إدماننا مواقع التواصل الاجتماعي، نشتت العقل ونصبّ فيه آلاف المعلومات، ونراقب العالم من نافذة التطبيقات ونجد فيها كل مالا يفيدنا ولا يعنينا وبالرغم من ذلك.. نتعلق بها. لن أتحدث عن ظلمنا لأنفسنا بضياع وقتنا -لأني حسب اعتقادي أسيء جدًا إدارة وقتي- ولكن أتحدث عن نفوسنا التي حرمناها حق الخلوة معها، وعن معاني تواصلنا مع الآخرين التي دمرناها، ومشاعرنا التي همشناها، وضمائرنا التي اخرسناها.. أليس ظلمًا؟ منحنا الله عقلًا بين نواميس هذا الكون التي لا عقل لها. وهذه هبة عظيمة منه، أهكذا نهتم بهبته سبحانه عزوجل؟
سأحكي لكم قصة قصيرة، فكرت ألفًا وبحثت شهرًا عن فكرة جديدة، فلم أجد! غضبت، وفكرت في السبب.. ووجدت أنني أحتاج الصفاء الذهني.. نعم، احتياجي بسيط جدًا لكن ليس في هذا الزمن.. كيف لي أن أجد الصفاء الذهني وأنا لا أستطيع الانفصال عن هاتفي وحساباتي في مواقع التواصل الاجتماعي؟ من أين يأتي لي الصفاء الذهني وأنا أراقب كل القضايا التي تشغل الرأي العام في "تويتر" وكل النقاشات وجديد التغريدات ثم أفتح "الواتساب" لأرد على الرسائل المتكدسة وأقرأ شيئًا يضحكني وشيئًا يحزنني ودعاء ألحقه بآمين وسؤال اجيبه ومجاملة أرسلها ومن ثم أفتح "سناب شات" لأرى كل ما وصلني، أضحك، أعلّق، أتفاعل، أحزن، ثم أشاهد آخر ما نشر في صفحة سناب شات اليمنى التي لا نهاية لها.. قصة تلي الأخرى.. ثم أتذكر سريعًا أني لم افتح "انستقرام" بعد! أفتحه مسرعة أشاهد آخر ما نشر، والأكثر شهرة، وما وصلني.. ثم أعود بسرعة إلى "تويتر" وهكذا.. كل هذا في دقائق.. وإن شاهدتني من بعيد تجدني بنفس الملامح التي لا تتبدل.. إلى أن قررت أن أنهي سيطرة كل هذه البرامج عليّ.. انطلاقًا من إيماني العميق بأنني حرة بقدر الأشياء التي يمكنني التخلي عنها.. قمت بحثًا عن صفائي الذهني بحذف سناب شات، "انستقرام"، "تويتر"، وبقية التطبيقات، تركت فقط "الواتساب" -لحاجتي الطبيعية له في هذا الزمن- وإن رغبت بتصفّح "تويتر" على سبيل المثال أو "الانستقرام" فقد أستطيع ذلك من خلال الحاسب.. حينما تخلصت من التطبيقات.. شعرت بالحرية، وهذا ما دفعني لكتابة هذا المقال، أريدكم أن تتذوقوا هذه الحرية التي استمتع بها الآن.. وأرجو نفسي وأرجوكم.. ألّا نظلم عقولنا بعد اليوم..
وأتمنى من أي شخص منكم يرغب بمشاركتي هذه التجربة ولو لمدة محددة، أن يشاركني بتجربته على وسم #صفي_ذهنك في تويتر..
مهلًا..
إن سألتني: ما أقوى شيء في هذا الكون؟
سأجيبك بكل بساطة.. العقل!
تويتر: faionbs@