تأثير بسيط
نستحقر ونزدري توافه الأمور ونجهل مدى عظمة تأثيرها ووقعها وتكوينها لبناء أرآئنا وأذواقنا وشخصياتنا وجُل اهتمامنا. فلعل نعت الإبن الأصغر "بالغبي" ينبت في ذهنه ثمرةً تنتج فشلاً وتحصد في نهاية المطاف خيبة أمل. ما أنت زارعه في تأثير بسيط كما تظن وتتخيل ما هو إلا صقلٌ لفشل أو نجاح ، صدق أم كذب ، سرقة أم أمانة وهلم جراً من طباع وأمور الحياة. ويعتمد كل ذلك على توافه الأفعال وأصغرها بعينيك، فنصف ريال ملقى على أرضية منزلك أو أمام حانوت صغير لا يشكل ذات أهمية لديك إن كنت قمت بأخذه من عدم تركه دون معرفة صاحبه ومالكه ولكن يعزز في كينونة ذاتك ويفعل خاصية التأثير البسيط غير المستشعر من قبلك فينمو بذلك ومن دون علمك خفةُ اليد والتقليل من مقام ومبدأ السرقة شيئاً فشيء حتى تصبح عادةً قبل أن تكون مصدر دخلٍ لك !
وليس بالضرورة أن يكون التأثير البسيط ذا جانبٍ واحد سوداوي المنظر حالك الجلباب غذافي الإهاب مدلهم المبدأ لا يتجرأ النور من اختراقه أو العبور نحوه أو من خلاله بل مُهِد له الطريق فأصبح سالكاً للعبور والمرور ولكن من يحسن الاختيار فنال من حسنه وجماله وبات يحتضنه حضن المودع لا يريد فراقه أو الإبتعاد عنه. فلك أن يكون كذلك إن أردت فبدلاً من أن تضع النصف ريال في جيبك ترده لصاحبه ولك أن ترى مدى تأثير ووقعه على نفسك وارتياحك لمثل هذا الفعل، وإن كان برفقتك أخيك أو ابنك الأصغر سيعجب من صنيع فعلتك ويصاب ببعض الغرابة كونه نصف ريال لا أحد يأبه بضياعه وفقدانه ولكن في ذات الوقت غرست نبتةً تنتج ثمرةً مليئة بالأمانة وصدقاً ملازماً. وما أراه دائماً في الأسواق والمنتزهات والأماكن العامة من تصرفات تخجل منها التربية وليس بينها نسبٌ موصول، أو زمام غير منقضب، فنرى الأب يكسر ثقة ولده ويهمش ذاته ويصقل الضعف والخوف لديه، والأم تحطم ضحكة ابنتها وتزعزع رابطة الود والحب بينهما.
فتنتهك الطفولة بصراخٍ يدوي ويبعثر دواخلهم ويضع الحواجز والخطوط التي لا ينبغي أن تكون لها وجود ويغفلون ويتناسون كونهم أطفال تحركهم البراءة ويقويهم ويشذحهم الفضول وحب الاستطلاع، فكم من موقف كان له الحظ الوفير في كونهم صادقوا الفشل وترعرعوا في الأحزان وباتوا يحتضنون ضعفهم خوفهم هشاشتهم جبنهم ونظرتهم السلبية تجاه حياتهم المستقبلية، لذلك أرى بأن لا يستخفنّ أحدٌ من عامل التأثير البسيط وما لديه من قوى لتغير حياة بأكملها.
بقلم: عبدالعزيز محمد