حركة العقل بين الفكر والثقافة
لوجدنا أفراد الأمة -قطعًا!- مهتمين بعالم الفكر والثقافة.
قال المفكر والفيلسوف زكي نجيب محمود:
(إن هناك ثقافة تحرك صاحبها إلى عمل، وأخرى تميل بصاحبها نحو ركود بليد، وإن بدا في ظاهر الأمر كما لو كانتا متشابهتين.)
أما أنا، فمؤمنة بما سأقوله الآن: "الفكر يحرك صاحبه إلى العمل، والثقافة وحدها تميل بصاحبها نحو ركود بليد.."
تعمدت قبلًا أن أسبق الثقافة بالفكر، لأنني مؤمنة بأن "الفكر" إنتاج، بينما "الثقافة" هي عبارة عن إقتناء إنتاجية الفكر، وهذا فيه شيء من الرضوخ.
منذ أن عاش الإنسان في الكهوف وكتب بالرموز ووصل إلى الحروف وهو يحاول أن يثري فكره ويستثمر عقله ليرتقي بالفكر ويتجاوز الجهل. وعلى هذا الأساس استمرت محاولات الإنسان بالإرتقاء والتقدم، ورغبته هذه بالتقدم على ذاته هي ما يعتمد عليه في الرؤية العميقة المختلفة والإدراك السليم.
الفكر مرحلة تلي التفكير، وهو من يشكل ملامح العالم من حولنا، لذلك إن كانت الأمة تريد أن تنطلق فهي تحتاج إلى تربية ثقافية وفكرية. ونحن أمة تريد الإنطلاق!
ولنتذكر ونتفكر في هذه الجملة:
إن الحضارة لا تنشأ من اللاشيء
قصة مع كتاب:
لا أخفي إعجابي الشديد بأبي حامد الغزالي حينما قرأت هذا الاقتباس المنسوب له:
"أنا لا أخشى على الإنسان الذي يفكر.. وإن ضل! لأنه سيعود إلى الحق.."
علمًا بأني وضعت نصف الاقتباس، وسأكمله في آخر المقال (لأسباب ستتضح لكم).
هرعت بعدها فورًا لقراءة كتابه (تهافت الفلاسفة) بعد أن أجلته وتثاقلت قراءته. وتمنيت أني لم أفعل..
لم يكن صعبًا لمفرداته الوعرة ولا للأفكار المعقدة.. بل للسفسطة الكلامية!
لغة جدلية ترمي بالقارئ في عمق التيه، إذ أنه تناول 20 مسألة فلسفية ورد عليها بطريقة متعبة ومرهقة للقارئ، عن قصد تفنيد أفكار خصومه (الفلاسفة!) ثم الرد عليهم، وبالطبع يعتقد الغزالي أنه حارب الفلسفة بالفلسفة.
ويجب التنويه بأنه لم يكن فيلسوفًا، ولم يقرأ كتب الفلاسفة مباشرة، بل قرأ لناقليها ومفسريها.
وللأسف.. قد كان تهافت الفلاسفة بمثابة الضربة القاضية لفلسفة إسلامية خلاقة وفذّة. إذ أنه تم نفي العبقري وسابق عصره ابن رشد من قرطبة.. نعم، بسبب تهافت الفلاسفة.
تم نفيه بعد أن تم حرق مكتبته التي تضم أكثر من مئة كتاب قد ألفّها في مختلف المجالات، ولم ينجو من مؤلفاته إلا القلة التي قاموا تلامذته بنسخها منه سابقًا.. بل تم منع تداول كتب الفلسفة والاهتمام بها، وذكر ذلك الغزالي بكل تبختر في كتابه وقال: "غرضنا أن نشوّش دعاويهم.. وقد حصل!"
ولا أعلم ما الفرق بين الغزالي وبين الفلاسفة الذين كفرهم، إذ طمع في معرفة الذات الإلهية معرفة حقيقية!
أليس هذا هو الجهل بعينه كما يقول؟
سأكمل لكم الاقتباس السابق، وأترك لكم حرية التفكير فيه:
"ولكني أخشى على الإنسان الذي لا يفكر وإن اهتدى، لأنه سيكون كالقشة في مهب الريح."
بقلم: فـــيّ سعد الغامدي
Twitter: @Faionbs