مقال: هل بقي لنا عذرٌ يا شباب؟
كل مجتمعٍ بحاجة إلى تغييرٍ وتبديلٍ ومسايرةٍ للزمان، ولسنا بأقل حاجة للتعديل والتهذيب والمتابعة والتطوير المسايرة من سائر المجتمعات.
ولعلنا كمجتمعات عربية وإسلامية أحوج إلى حكماء وعاملين ومصلحين وقادة يرفعون عنها ما تراكم من ترسبات ثقيلة في قاع التفكير وسلوك بالحياة وأنماطها؛ وهذه الترسبات صارت تطفو فوق السطح الرائق وتعكره. ومن طبيعة تغير المجتمعات وتطورها وإزالة ما علق في أوردتها عبر أحقابٍ وأحقاب من جهل أو تخلف أو زيغ عن المنهاج النيرّ، أن يأتي تغييرها منها وبها، بل إن لم ينبثق في داخلها ويتمثل في كامل جسدها فلن يتحقق من المأمول شيئا من مواقع الآمال.
أي تغير وتغيير يأتي من الخارج فلن ينفع المجتمع إن لم يكن هذا المجتمع قادرا على هضم ما يأتي ويتعامل معه ويستخلص فائدته إن كان فيه فائدة.
خذ أن الجسد البشري لا يمكنه أن يتمثل ويستفيد مثلا عنصر الحديد إن لم تكن له كلية صالحة، فقد يضر الحديد المتراكم بكلية ضعيفة، وقس على هذا كل شيء نأكله ونتناوله. أكبر عضوين في جسد الأمة هما جناحاها الرسمي، والمدني. فبينما يقف الجناح الرسمي كمحور الأمة الثابت لحفظ صحتها الكلية، كما تفعل الأعضاء السليمة في الجسد، يكون التعامل مع التغير والتطور والتطوير والابتكار هي التفاعلات التي تفرزها هذه الأعضاء، بدون هذه التفاعلات لا يكون الجسد في وضعه الأمثل.
إن من يتفاعل مع المتغيرات والإبداعات ثم يعيد تمثيلها بالنفع على الأمة هو العمل المدني العام. وأخص هنا العمل التطوعي بكل طيفه العريض، فمن أول هذا الطيف لآخره يمكن للعمل التطوعي وللمتطوعين أن يقوموا به بلا استثناء، ما عدا ما يكون بجوهر كيان الأمة من دفاع وأمن ورفاه عام، وإدارة الدولة، والأجهزة التي لها كياناتها كالقضاء. تصفح أي مرجع حضاري، وستجد أن الأمم نهض بها أفراد متطوعون، لأن التطوع يولد مع الإنسان كما تولد معه أي موهبة أخرى، ومن تولد به ولديه رغبة أو حب ما يبقيان معه ما بقي يتنفس هواء الحياة. المخترعون والمصلحون هم متطوعون؛ لأنه مجبول بدمائهم، ومخلوط مع طينهم الحي، فلا يقف دونه إغراء أو مدة زمن. ومجتمعنا بدأ يقود العالم العربي بشبابنا بالذات العمل التطوعي العربي، وربما أكثر، وهذا لم أقله أنا بل قاله بمبادرة إعجاب حقيقي -فلا شيء يدعوه لغير ذلك- مسؤول أممي تطوعي هو السيد إبراهيم حسين لما وقف على إنجازات الشباب السعودي بميادين التطوع.
وهل بقي لنا عذرٌ يا شباب.. سوى الاتكال على الله، والمضيّ؟
بقلم د. نجيب الزامل