مراجعة كتاب: الفتاة التي ابتسمت خرزًا
اسم الكتاب: الفتاة التي ابتسمت خرزًا
تأليف: كليمنتين وأماريا - إليزابيث ويل
دار النشر: عصير الكتب
نوع الكتاب: سيرة توثيقية
تأليف: كليمنتين وأماريا - إليزابيث ويل
دار النشر: عصير الكتب
نوع الكتاب: سيرة توثيقية
عدد الصفحات: 327 صفحة
"لا يمكنك ترتيب الفظائع الوحشية وصفّها وكأنها مجموعة متطابقة، لا يمكنك الشهادة عليها بكلمة واحدة."
كانت هذه العبارة مفصلاً في قراءتي، مفصلاً ربط الأحداث وطريقة السرد بطبيعة شخصيتها، وحرّك أفكاري إلى مكانٍ آخر وتوقعاتي من "المفترض" إلى "القبول والإكمال" من غير إملاءات ولا تجميع انتقادات.
أتت كالصوت لتنبّه أذني المستمعة إلى أحاديثي الداخلية حول الكتاب وعيني القارئة له، صوت يقول: أنا لست هنا لأمنحكِ تجربة قارئ باحث أو حتى مطّلعٍ أو مُقارن أو مستمتع، ولا أبحث عن استعطافك أو إعجابك ولا أسعى لتغيير نظرتك، سأعبث في توقعاتك وأعيدها إليكِ فارغة اليدين، فأنا لا أرغب أن أكون بين كلماتكم وأحاديثكم وأفكاركم "أداة أو دراسة حالة" " أو أن أكون مشروع أحد"
ولن أجيبك عن أسئلتك الفضولية أو الجريئة على شاكلة: "كيف شعرت" ولن أسمح لك أن تعيديني "إلى ذلك المكان وتلك الحالة"
ابق مشتتًا قارئي العزيز، اتعب وحاول الوصول إلى واقعي وما أود قوله، فأنا قررت بسيرتي "أن أفهم حياتي، أوثق نفسي كما أجمع وأصنّف الحطام والخردة، والخرزات المتناثرة والخرائط القديمة والألعاب الضائعة والأكياس البلاستيكية والأزرار والتذاكر وغيرها، لأكون أقرب لوصف "توني موريسون" في رواية "صولا":
"فتاة يملأ ضحكها الأجواء ولكن ألمها العميق كان يرقد تحت جفونها"
تربط أجزاء قصتها، وتحافظ على التواصل بين جميع حيواتها المختلفة، تحاول تشكيل تجربتها إلى شيء متماسك فالتجربة بالنسبة لها " هي الندوب على ساقي، أما قصتي فهي دليل على أنني على قيد الحياة، التجربة هي الفوضى الكاملة وكل ما حدث فعليًا، أما القصة فهي الأجزاء التي تربطها ببعضها"
لذا اخترت قراءة سيرتها قراءة مشاعر منذ البداية وحتى غلافها الأخير، أحصي الشعور، وأتدرج بعشوائية في نفس بشرية " ملامح ألمها ليست ثابتة" ولا تشبه أحدًا "معاناتها تتسع وتنتشر"،
طفلة رأت ما لا يُرى "تلقّت علمها الثقيل في وقت مبكر جدًا" فكان كما وصفته "كالبطانية المغموسة في المياه الموحلة"
وكان كفاحها اليومي كبالغة هو اجتياز يومها لا أكثر.
فبين شعور اللقاء بعد تنائي المسافات واستحالة السبل، أنفسٌ تأهلّت للغياب وتربّت على الفقد وعدم والتواجد، تنقّلتُ بحذر وألم بين تدرجات الشعور بالموت وأسباب حدوثه واختلاف مسبباته، إلى شعور الانتزاع من الجذور، وفقدان الثقة وانعدامها لاحقًا، الشتات، والبحث عن الاعتراف، تلمّست شعور الراحة المربك بعد العذابات، وتشوه قيم الكرم والمساعدة والعطاءات حين قالت عنه "كان الكرم مشبوهًا، لأن لم يكن أي شيء حينها منطقيًا"، وصفت شعور الحنين المدمّر باسترجاع الماضي بأنه ممارسة مدمّرة ونكأ جراح خيطت بشكل سيئ، شهدتُ وصولها إلى مرحلة فقدان الشعور بقيمة الاسم والاعتراف والدفء المعنوي وإلى مراحل أعلى من رفض الأمل والانتهاك العاطفي.
تعمقت بشعورها، فهمته وتفهّمته بل وحاولت فهمه أيضًا، تعلمت معنى آخر للبقاء، البقاء الحقيقي للجسد والروح بأنه يتطلب الإبداع وحرية التفكير والتعاون والمشاركة.
وشكرت المترجم: "رشيد عصام عناية" في قلبي مرارًا، وكثيرًا على أمانة نقله وشرح تأويلاته للنص وذكره للأنسب حسب السياق من وجهة نظره مع العودة لمعنى النص الأصلي، وعلى شرحه لمعاني المصطلحات الإفريقية والرواندية ونقلها إلى العربية فخضت تجربة التقاطٍ مميزة من "الكيتينجي" اللباس الإفريقي التقليدي، وحتى الوصول إلى كلمات الشكر الأخيرة والتعرف إلى "باهاتي" الحظ السعيد الذي ابتسم أخيرًا.
مراجعة: منى كنعان