دعوة للتأمل في عيد العُمَّال..
يُعرَّف قانون العمل بأنه "مجموعة من القواعد القانونية التي تُنظِّم علاقات العمل سواء أكانت فردية أو جماعية بين العُمَّال وأصحاب الأعمال". ويتميز قانون العمل بأنه ذا طبيعة حمائية أي أنه يحمي العامل ويُغلِّب مصلحته على صاحب العمل كونه الحلقة الأضعف في العلاقة العُمالية.
إن الغاية من وجود قوانين العمل هي حماية وصون العُمَّال من جور وتعسُّف أرباب العمل. ولقد اعتنت الدول بقوانين العمل وأولتها اهتماماً بالغاً لما لها من أهمية اقتصادية واجتماعية ولكونها تُمثِّل الشريحة الأكبر في المجتمعات من عاملين وأصحاب أعمال. لقد حمى نظام العمل السعودي حقوق العُمّال و تتجسَّد حمايته لها في مادته الثامنة التي نصَّت على أنه: "يبطل كل شرط يخالف أحكام هذا النظام، ويبطل كل إبراء أو مصالحة عن الحقوق الناشئة للعامل بموجب هذا النظام- نظام العمل- أثناء سريان عقد العمل، ما لم يكن أكثر فائدة للعامل".
إن هذه الهالة حول حقوق العُمَّال أنتجت في أواخر القرن التاسع عشر الاحتفال بعيد العُمَّال الذي يُقام في الأول من شهر مايو من كل عام ميلادي.
كُل هذا الاهتمام بحقوق العُمَّال الذي كفلته الدساتير والأنظمة يستدعي وقفة تساؤل في عيدهم عن أول من أمر وحث على المحافظة على حقوق العمال. لنجد أن النبي عليه الصلاة والسلام، مُنذ أربعة عشر قرناً هو أول من حذَّر وأنذر من مغبَّة هضم حقوق العُمَّال، وتوعَّد من لم يُعط أجرة من استأجره بأنه سيكون خصماً لله عز وجل يوم القيامة.
روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قَالَ اللَّهُ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ». وأمر النبي عليه الصلاة والسلام بإعطاء أجرة الأجير دون تأخير أو مماطله، فجاء في صحيح ابن ماجه عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: « أعطوا الأجيرَ أجرَهُ قبلَ أن يجفَّ عرقُهُ» وفي قوله عليه الصلاة والسلام ( قبل أن يجف عرقه ) كناية و حثٌ على المبادرة بسرعة إعطاء العامل أجره دون تأخير، أو تسويف، أو مماطلة.
إن عيد العُمَّال في الغرب يُعيد للواجهة موجات القهر و التعسُّف التي عانى منها العُمَّال في القرون الوسطى من الاقطاعيين، كما أن المفاهيم الحقوقية للعُمَّال لم تتفجر إلا في القرن التاسع عشر بعد كفاح طويل و نضال مرير، بينما كفل الإسلام حقوق العاملين منذ فجره الأول.
بقلم المحامي مؤيد السنوسي